تونس من يعاد بن رجب وفتحي المجازي
هو ديناصور المسرح التونسي. في فضائه الخاص وبعيدا عن الدعم الحكومي المباشر يصارع من أجل البقاء بمسرح مختلف في خطابه وإبعاده. 'كلام الليل ' 'ضد مجهول' 'لصوص بغداد' ' كلها مسرحيات أثارت جدلا لدى عرضها. بالنسبة له المسرح ممارسة للحياة من خلال شخصيات مهمومة، هائمة، ساخرة ومتمردة ليس ضد المؤسسات السياسية فحسب بل ضد نفسها. النصوص التي يكتبها تحتمل التأويل وعادة ما يترك للمشاهد حرية التأويل ويكتفي بتحذيره أن ذلك 'على مسؤوليته الخاصة'.
المسرحية الأولى لفرقة 'التياترو' هي' مذكرات ديناصور'، قدمتها للجمهور على أنها لقاء بين سياسي لم تنفعه سياسته ومثقف لم تنفعه ثقافته. واليوم، بعد عشرين سنة، تعرض هذه المسرحية مرة أخرى في إطار الاحتفال بعشرينية الفرقة.
هنا حوار مع الجبالي:
هل أنت مسرحي نفعه مسرحه في ظل الراهن العربي للمسرح؟
من الأكيد أن مسرحي نفعني، فلو لم ينفعني لما رافقته كل هذه السنين، ولكن هل نفع الآخرين؟ لا أدري.
هنالك مستويات في النفع، فعندما أنظر إلى نفسي باعتباري مواطنا وأنظر فيما أنتظره من مهنتي، أجد أن المسرح لم ينفعني على هذا المستوى. ولكني مسرحي دون سعي مني أو اختيار.
ماذا أنتظر من الحياة وماذا أنتظر من المسرح؟ الحقيقة أني فضلت أن تتمحور انتظاراتي حول المسرح وهذا كاف.
'فرقة التياترو' هي أول فرقة مسرحية خاصة في العالم العربي تملك فضاء عرض، ونادرا ما تحظى عروضها بدعم حكومي. من خلال تجربتك هل يمكن للمسرح أن يتعايش مع منطق العرض والطلب؟
بصفتي، رجل مسرح ومسؤولاً عن مؤسسة مسرحية، أبحث عن التوازن المادي والفني، فالإغراق في البحث عن الجمهور يوصلنا إلى طريق مسدود من دون شك.
قدمت في بداية تجربتي المسرحية سلسلة 'كلام الليل ' الساخرة ولاقت إعجاب الجمهور، ثم قدمت عملا يقطع جذريا مع العمل السابق وهو عمل 'فهمتلا'(فهمت أم لا؟ باللهجة التونسية) وهي مسرحية صامتة من دون كلام ولا حركة لمدة ساعة ونصف ساعة، وبها ضاع مني قسط من الجمهور، وفقدت الرصيد الذي ربحته من 'كلام الليل' لأن الجمهور اعتبر أنها عملية تحيل عليه.
ولكن هذه التجربة سمحت لي أن أسترجع حريتي الفنية، لأن امتلاكنا لفضائنا الخاص يسمح لنا بالمواظبة في عملنا ، وبنوع من الفطنة يمكننا أن نثير احتياج الجمهور دون ان نخضع لما يريده هو.
عبرت عن استعدادك لعمل مسرح من دون جمهور اذا كان هذا الجمهور سيأتيك باحثا عن مسرح نمطي مضحك. أي علاقة تربطك بالجمهور؟
إنها لعبة مسرحية. أنا لا أريد كثيرا استفزاز الجمهور بمعنى أني لا اعتبره فأر تجارب لمسرحياتي. شخصيا أعتبر الجمهور لا عدوا ولا صديقا بل طرفا وشريكا. وأنا لم أعتمد هذا الأسلوب من قبل، بل إني كنت أؤمن بالجدار الرابع(مفهوم مسرحي يطلق على الجدار الوهمي الذي يفصل المتفرج عن الركح)، ولكني الآن أشعر أنه حان الوقت لتحريض المتفرج على أن يكون له موقف. فمهما كانت طبيعة المتفرج وثقافته لا يمكن أن يكون محايدا.
في مسرحية 'هنا تونس' اتخذ النقد السياسي طابعا مباشرا، ورغم ذلك لم تمنع المسرحية. هل هو تحول في هامش الحرية أم أن المسرح برواده القلائل لم يعد يخيف الحكومات؟
' هنا تونس' المسرحية الوحيدة التي عرضت على الرقابة مرتين، وخضعت إلى الرقابة غير المباشرة، فلم يتسن لنا عرض هذا العمل في أي مكان آخر من الجمهورية غير العاصمة، لأنه وردت توصية بعدم توزيع هذا العمل.
ذهنية الرقابة لا تتمثل في لعبة التوجيه فقط. هنالك موظف رقابي وهو يخدم لصالح ذهنية رقابية أخرى، وهي متقلبة، فاليوم يكون هذا العمل ممنوعا وغدا مسموحا به.
المهم هو أن لا تكون لك رقابة ذاتية. رغم أنني أقول أحيانا لو كانت لي رقابة ذاتية لكنت على معرفة بما يجب القيام به. إن مجتمعنا منافق ورقابته منافقة وجهازه منافق. والناس في نفس الوقت متقدمون ورجعيون، أحرار ومقيدون، مع الحرية وضدها، سجانون ومسجونون وهكذا دواليك. إنها لمشكلة كبيرة عندما تريد الكتابة وتجد نفسك أمام مجتمع غير منظم.
الفنان بصفة جوهرية، وهذا التعريف ليس لي، إذا كان غير مناهض للواقع وللقيم السائدة، وإذا لم يكن متجاوزا لعصره، ليس بالفنان.
أن يكون الفنان فنانا يعني أن يكون في ضميره وفي روحه خارج الإطار. أنا لا أتبع النظام الموضوع. أنا ضده. لست معارضا لأني في حزب سياسي معارض، وإنما لأنها طبيعة حياتي. أنا أخلق صورة مستقبلية ولا أعمل على الصورة الموجودة. بالرقابة الذاتية يمكن أن أبعد عني الرقابة ولكن لا يبقى لي ما أقول.
يرى البعض أن الجمهور في حالة بحث عن مسرحه، وأن المسرحيين في حالة بحث عن جمهور. هل تعتبر أنك وجدت جمهورك؟
أنا ليس لي جمهور. جمهوري متجدد. أنا لا أرى لماذا يجب أن يذهب الجمهور إلى رجل مسرح دون آخر. يمكن له أن يختار حسب فضوله الثقافي. أرى أن هذا منطق كرة القدم . ومع ذلك يجب أن تبني مع الجمهور علاقة ثقة هي نتاج للخط الفكري المتواصل للأعمال المسرحية للفنان.
في 'كلام الليل' لعبت ورقة الكلام حيث أن الشخصيات ثرثارة ومنفتحة وساخرة. في' فمهتلا' الشخصيات صامتة كامل العرض. أنت دائما حيث لا ينتظرك الجمهور. هل أن الصدمة المسرحية هي الخيط الجامع بين أعمالك؟
الكلام ليس بالثرثرة ،هو لعبة مشهدية بالأساس. والصمت هو كذلك لغة مسرحية أخرى. المسرحي ليس عاملا يوميا. أريد التجريب ولا يمكنني أن أبقى في تجربة واحدة حتى وإن أعجبتني. أنا من هواة التجارب الجديدة وإن لم يقبلها المتفرج، لأنه يكون لها تأثير في الحركة المسرحية بصفة غير مباشرة.
أين تضع مسرحك في الحركة المسرحية العربية؟
في مصر نجد مسرحيين محترفين بالآلاف ولا نجد ذلك في تونس. في العراق منهم من مات ومنهم من اختار المنفى، في سورية والجزائر والمغرب لديهم أكثر منا ممثلين. في لبنان وسورية توجد كذلك نخبة. ولكن في العموم لا يوجد الامتداد والاستمرار. أظن أنه توجد تجارب مسرحية لأفراد، ولا توجد حركة مسرحية. فالإنتاج الفكري ضئيل جدا في العالم العربي وهو أقل من أن يولد حركة مسرحية .
مع من من المسرحيين العرب تتفق ومع من تختلف؟
حقيقة أنا لست متعصبا وليست لدي أسماء أختلف معها. أحب مشاهدة جميع التجارب باختلافها. ولكني أتفق مع صلاح القصب وجواد الاسدي من العراق. عبد المنعم عمارية من سورية كذلك سوسن بروزة. ربيع مروي من لبنان وهنالك عديد الأسماء الشابة والصاعدة في لبنان.
ألا ترى أن القنوات التلفزيونية سرقت جمهور المسرح؟
القنوات التلفزيونية لم تسرق جمهوري فقط بل سرقت الشعوب بأكملها.
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire